عواصم- سبأ: مرزاح العسل
بعد مرور 28 عامًا على مجزرة المسجد الإبراهيمي الشريف في الخليل بالضفة الغربية المحتلة.. ما تزال هذه المجزرة خير شاهد على بشاعة وقذارة هذا الكيان المحتل الذي هو مستمر بتنفيذ جرائمه التهويدية والاستيطانية بحق المسجد ومدينة الخليل التي يواصل فصول مجزرته بحقها منذ احتلالها عام 1967.
ففي يوم الجمعة الـ25 من فبراير 1994، الـ15 من شهر رمضان المبارك، نفذ المستوطن الإرهابي “باروخ غولدشتاين”، مجزرته البشعة بحق المصلين عندما دخل المسجد الإبراهيمي وأطلق النار عليهم، فاستشهد نحو 29 مصليًا وأصيب 150 آخرون.
وأمعن جنود الاحتلال في جريمتهم حينما أغلقوا أبواب المسجد لمنع المصلين من الخروج، كما منعوا القادمين من الخارج من الوصول إلى ساحته لإنقاذ الجرحى.
وفي وقت لاحق استشهد آخرون برصاص جنود الاحتلال خارج المسجد وأثناء تشييع جنازات الشهداء، ما رفع مجموعهم إلى 50 شهيدا، 29 منهم استشهدوا داخل المسجد، وتصاعد التوتر في مدينة الخليل وقراها والمدن الفلسطينية كافة، وبلغ عدد الشهداء الذين ارتقوا نتيجة المواجهات إلى 60 شهيدا ومئات الجرحى.
وعقب المجزرة، أغلقت قوات الاحتلال المسجد والبلدة القديمة 6 أشهر كاملة، بدعوى التحقيق في الجريمة، وشكلت ومن طرف واحد لجنة “شمغار”، للتحقيق وخرجت في حينه بعدة توصيات، منها تقسيم المسجد الإبراهيمي إلى قسمين.
وفرضت سلطات الاحتلال في حينها واقعا صعبا على حياة الفلسطينيين في البلدة القديمة، ووضعت الحراسات المشددة على المسجد، وأعطت للاحتلال الحق في السيادة على الجزء الأكبر منه، حوالي 60 في المائة بهدف تهويده والاستيلاء عليه.
ومع مرور 28 عاماً على هذه المجزرة البشعة لا يزال كيان الاحتلال يواصل سياسته الممنهجة للسيطرة على المسجد وتهويده، حيث منع خلال العام الماضي رفع الأذان قرابة 635 وقتاً، وأغلق المسجد أيام الأعياد اليهودية، ومنع عمليات الترميم والإصلاح داخله عدة شهور.
وخلال الأسبوع الماضي، أجرت سلطات الاحتلال حفريات في الساحات الخارجية للمسجد، من خلال فتح ثغور ونقاط حفر جديدة مغلفة بالخيام، تترافق مع وضع رافعات، وتحميل الحجارة والأتربة من الساحات الخارجية، بهدف إقامة مزار سياحي، والمصعد الكهربائي التهويدي، والتنقيب عن آثار إسلامية.
وكانت سلطات الاحتلال قد شرعت في أغسطس الماضي، بتنفيذ مشروع تهويدي على مساحة 300 متر مربع من ساحات المسجد الإبراهيمي ومرافقه، يشمل تركيب مصعد كهربائي، لتسهيل اقتحامات المستوطنين، حيث تم تخصيص 2 مليون شيقل لتمويله.
ويهدد المشروع الاستيطاني بوضع يد الاحتلال على مرافق تاريخية قرب المسجد وسحب صلاحية البناء والتخطيط من بلدية الخليل.
واقتحم رئيس الاحتلال “إسحاق هرتسوغ” في نوفمبر الماضي، المسجد لإنارة الشمعدان هناك، وتسببت زيارته باستفزاز للفلسطينيين.. ويسعى الاحتلال لإفراغ المسجد من المصلين، من خلال الإجراءات القمعية والتعسفية بحقهم، وإغلاق البوابات الالكترونية ومنع إقامة الأذان فيه وعرقلة حركة المواطنين على الحواجز العسكرية واحتجازهم.
وبمناسبة هذه الذكرى الأليمة أكدت دائرة العلاقات الوطنية في حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بالضفة الغربية، أنه لا حل أمام الفلسطينيين لمواجهة جرائم الاحتلال إلا الانتظام في تكتل وطني جامع، يستنفر كل الطاقات الفلسطينية في مواجهة الاحتلال، ومستوطنيه، ومخططاته الهادفة لاقتلاع وجودنا، وسلب أرضنا، وهدم بيوتنا، وقتل أبنائنا.
وقالت الدائرة في بيان نقلته “فلسطين أون لاين”، اليوم الخميس: إن مجزرة المسجد الإبراهيمي “لم تكن إلا حلقة في سلسلة الجرائم الصهيونية المستمرة حتى اللحظة، وهو ما يؤكد أن هذا العدو لا يفهم إلا لغة المقاومة، وأن كل حلول التسوية والتنسيق الأمني لا تعني له إلا فرصة يستثمرها في سلب مزيد من الأرض، وقتل مزيد من الفلسطينيين”.
وشددت على أن المطلوب من السلطة في رام الله أن تتراجع فوراً عن مساراتها السياسية التي لا تخدم إلا الاحتلال ومستوطنيه.. وعلى أن مجزرة المسجد الإبراهيمي لا تدلل فحسب على عنصرية الاحتلال وإرهابه وإجرامه، إنما تؤكد أيضاً على جوهر وجوده القائم على القتل والعدوان، وتؤكد كذلك على استحالة تخلي الفلسطيني عن أرضه، وأن كل جرائم الاحتلال لن تكسر إرادة أبناء شعبنا، التي كانت ومازالت وستبقى متعلقة برحاب المسجد الإبراهيمي، وبكل شبر من فلسطين.
من جهتها عقدت جبهة التحرير العربية اجتماعأ لها بمكتبها بمدينة الخليل وتناولت عدد من القضايا وبحثت ما يجري على الساحة الفلسطينية وما يدور من أحداث في مدينة القدس والهجمة الشرسة التي تشنها حكومة الاحتلال الصهيوني على حي الشيخ جراح في المدينة المقدسة وهجمات قطعان المستوطنين على المدن والقرى الفلسطينية برعاية ودعم حكومة الإرهاب الصهيوني.
واعتبرت جبهة التحرير العربية أن ما تقوم به حكومة الاحتلال في مدينة القدس والأعمال الإجرامية والتي تهدف إلى تفريغ المدينة المقدسة من سكانها الأصليين الفلسطينيين والاستيلاء على منازلهم وتهويد القدس مخالف ومنافي لكافة القوانين والأعراف الدولية.
وطالبت الجبهة المجتمع الدولي الوقوف عند حد مسؤولية تجاه الشعب الفلسطيني الذي يتعرض يوميا لعمليات القتل والتهجير والإرهاب الصهيوني.
ودعت الجبهة جماهير الشعب الفلسطيني المشاركة الواسعة في المظاهرة الجماهيرية الحاشدة في الذكرى 28 لمجزرة الحرم الإبراهيمي الشريف التي من المقرر أن تنطلق بعد صلاة يوم غدٍ الجمعة من مسجد الشيخ علي بكاء وذلك للمطالبة بفتح المناطق المغلقة بالخليل والتي يغلقها الاحتلال بوجه الأهالي الفلسطينيين.
وشددت على أن المسجد الابراهيمي الشريف سيبقى مسجداً إسلامي عربي فلسطيني.. مطالبة بدعم وإسناد صمود أهل البلدة القديمة بالخليل وصمود الأهل في القدس في مواجهتهم لمخططات الاحتلال الصهيوني التهويدية.
وبعد مرور 28 عامًا على مجزرة “الحرم الإبراهيمي” البشعة لا يزال المسجد يعيش حتى اليوم تحت وطأة التهويد والتقسيم الزماني والمكاني في محاولة لإيجاد موطئ قدمٍ له داخل هذا المكان المُقدّس.
ويروي مدير الحرم الإبراهيمي السابق والشاهد على المجزرة الشيخ حفظي أبو سنينة، أنّ حكومة الاحتلال كانت تُدبّر لهذه المجزرة واختارت الوقت والزمان المُناسبين للانقضاض على الحرم ووضع موطئ قدمٍ لها داخله.
وقال أبو سنينة لصحيفة “فلسطين”: إنّ المجرم “الإسرائيلي” أطلق النيران صوب المصلين أثناء تأدية صلاة الفجر بشكلٍ عشوائي، إذ سالت دماء المصلين آنذاك.. مبيناً أنه بعد وقوع الجريمة استباح كيان الاحتلال الحرم الإبراهيمي بالكامل، وأغلقه لمدة 9 شهور متواصلة، حيث لم يُرفع الأذان مُطلقًا في تلك الفترة، وجرى تقسيمه زمانيًّا ومكانيًّا، إضافة إلى تخصيص 10 أيام في السنة للمستوطنين لإقامة الصلوات التّلمودية.
ومنذ ذلك الحين، تُواصل سلطات الاحتلال انتهاكاتها بحقّ الحرم الإبراهيمي، وفق أبو سنينة، حيث أغلقت الشارع الرئيسي الواصل إليه، وقرابة 1000 محلّ تجاري في تلك المنطقة.
ودعا المؤسسات والمنظمات الحقوقية الدولية وخاصة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة “اليونيسكو” بضرورة التدخُّل لحماية الحرم من جرائم الاحتلال المتواصلة.
واختتم حديثه بالقول: “سنبقى متواجدين في الحرم ونؤمّ الصلوات بشكلٍ كاملٍ، رغم الحواجز والبوابات التي وضعها الاحتلال على مداخل الحرم، من أجل حمايته بكلّ ما أوتينا من قوّة”.
إلى ذلك وصف مدير لجنة إعمار الخليل عماد حمدان واقع الحرم الإبراهيمي في أعقاب المجزرة وحتى الآن بـ “المرير”.. قائلًا: “أثناء المجزرة كُنّا الضحية والجانب الذي تمّ محاسبته ومعاقبته من خلال فرض السيطرة الكاملة الأمنية الاحتلالية على الحرم”.
وأوضح أنه “في أعقاب المجزرة تمّ تقسيم الحرم زمانيًّا ومكانيًّا، وفرض السيطرة الكاملة عليه”، داعيًا “اليونيسكو” للقيام بدورها تجاه الحرم خاصّة أنها اعتبرته “موروثًا تُراثيًّا عالميًّا”.. مشدداً على أنّ “الاحتلال لا يزال يُكرّس عملية التهويد ويعمل على تغيير بعض معالم الحرم من خلال الحفريات الجارية سواءً في الساحات الخارجية أو في الأسفل”.. مُعتبرًا ممارسات الاحتلال “جريمة بحقّ الإنسانية والموروث الثقافي والحضاري الفلسطيني والإسلامي”.
هذا ولم يكن سلاح المستوطنين الصهاينة التي ارتكبت مجزرة الحرم الإبراهيمي قبل 28 عامًا بمعزل عن المستوى السياسي “الإسرائيلي”، الذي يعتبره الذراع الأيمن في الفتك بالفلسطينيين وممتلكاتهم، بل كانت المجزرة منظمة بتخطيط وتسليح رسمي لهذه الجماعة.
وارتكبت المجزرة التي يُحيي الشعب الفلسطيني ذكراها غداً، بسلاح فتاك من نوع “رصاص دمدم” اخترق- إلى جانب القنابل- رؤوس المصلين ورقابهم وظهورهم.
وتعكس المجزرة البشعة خطورة سلاح الجماعات الإرهابية، الذي عمل الكيان المحتل وما زال على زيادته ودعمه في الضفة والقدس وأراضي الـ48، حتى وصلت هذه الجماعات اليوم إلى أشبه ما يكون بالجيش الرديف لجيش الاحتلال.
وفي عام 2015 قررت “إسرائيل” وبشكل رسمي السماح لمستوطنيها كافة داخل الضفة والقدس بحمل الأسلحة النارية ومنحهم الضوء الأخضر لقتل أي فلسطيني يوجد أمامهم بدمٍ بارد ودون أي عقاب أو مساءلة تحت ذريعة “الشبهات”.
وعلى إثر هذا القرار ازداد عدد المستوطنين المسلحين منهم، ثم أعقبه “تعديل قانون الحصول على سلاح” عام 2018، والذي نص على تخفيض قيود الحصول على سلاح للمستوطنين، وهو ما بسببه أصبح أكثر من 145 ألف مستوطن يعيثون جرائمًا في أراضي الـ48، حسبما يقول الخبير العسكري اللواء المتقاعد يوسف الشرقاوي.
ويصف الشرقاوي سلاح المستوطنين بأنه “مكمل لسلاح الجيش”، وخطورته تكمن في أنه أصبح يهدد الحياة اليومية للفلسطينيين في الأراضي المحتلة عام 67، خاصة وأن هؤلاء المستوطنين مصرح لهم بأن يختلقوا أي حادثة لكي يطلقوا النار على أي فلسطيني ويرتكبوا أي جريمة بأسلحتهم.
وكان يوجد في الضفة الغربية قبل عام 2018 أكثر من 145 ألف صهيوني يحوزون تصاريح لحمل السلاح، وهي لا تشمل الجنود وضباط الشرطة وغيرهم ممن يحملون الأسلحة النارية أثناء العمل.
ومنذ قوانين “تسهيل ترخيص السلاح” (بعد 2018) ارتفع عدد المستوطنين الذين يحملون السلاح في المستوطنات والبؤر الاستيطانية إلى نحو 200 ألف مستوطن، حسب إحصائية لمركز القدس لدراسات الشأن “الإسرائيلي” والفلسطيني.
ولا يتوقف الأمر عند حد تعبئة هؤلاء المستوطنين بالسلاح وإنما “بالكراهية والحقد والعنصرية تجاه الفلسطينيين”، وهو ما يجعل استخدام هذا السلاح سهلًا، كما يقول المختص بشأن الاستيطان عبد الهادي حنتش.
وأضاف حنتش لوكالة “صفا”: إن “سلاح المستوطنين خطر قديم لكنه متصاعد ومتطور، وصل إلى حد أن تصبح دوريات جيش الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنين مشتركة في اقتحام منازل الفلسطينيين وارتكاب الجرائم والإعدامات، وهذا ما تشهده الضفة والقدس اليوم”.
ويؤكد حنتش وجود “قاسم مشترك بين جيش الاحتلال والمستوطنين، فاقتحاماتهم موفر لها الحماية الكاملة في كل أماكن تواجدهم، بل إن جيش الاحتلال يعرف هويات كل فرد بهذه العصابات سواء ما تسمى تدفيع الثمن أو شبيبة التلال أو غيرها من العصابات المنتشرة”.
وتشمل جرائم المستوطنين المسلحين معظم مدن الضفة الغربية والقدس وأراضي الـ48، إلا أنها تتركز أكثر في البلدة القديمة بالخليل وحوارة وفي نابلس ورام الله والقدس، كما يوضح حنتش.
الجدير ذكره أنه كان لمذبحة الحرم الإبراهيمي نتائجها وآثارها السيئة على الفلسطينيين، فبعد المجزرة تعطلت الحياة الفلسطينية العامة في العديد من الأحياء والأسواق القديمة.. وحصلت حالة إرباك شديد في المدارس الفلسطينية التي تقع داخل البلدة القديمة في الخليل، والتي يصل تعدادها إلى أكثر من 30 مدرسة؛ حيث تعطلت الدراسة فيها خلال الأحداث التي شهدتها المدينة وخلال أعمال العنف التي يقوم بها المستوطنون.
وخلال السنوات العشر الماضية عمل المستوطنون الصهاينة -الذين تدعمهم جمعيات صهيونية خارج وداخل فلسطين المحتلة- على خلق واقع ما يسمى التواصل الإقليمي بين البؤر الاستيطانية ومستوطنة كريات أربع؛ حيث لا يستطيع المواطن الفلسطيني استخدام هذه الشوارع والأسواق لقضاء مهماته وحاجياته كما كان سابقًا.