إعداد/ مركز البحوث والمعلومات
منذ البدايات الاولى لظهور شبكة الإنترنت على المستوى العالمي، كان من الواضح أن العالم أمام ثورة تكنولوجية غير مسبوقة سوف تحدث قفزة كبيرة في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
هذه القفزة لم تكن مبالغة في وصف ما أحدثه الإنترنت في العالم، لا سيما وأنه أحدث ثورة في عالم الاتصالات والتجارة، بعد أن استطاع ربط شبكات الكمبيوتر ببعضها في كافة أنحاء العالم، ويشير عدد من المختصين أن تلك الثورة لم تكن مفاجئة، بل أنها كانت نتاج تدرج من مرحلة إلى أخرى، والبداية حسب المختصين؛ كانت في العام 1965 بعد الربط بين جهازي كمبيوتر عن طريق استعمال تقنية تبديل الحزم، وبعد أربعة أعوام من ذلك التاريخ استطاعت جامعة كاليفورنيا ومعهد ستانفورد للأبحاث من تطوير الدراسات والأبحاث المرتبطة بالإنترنت، وتطور الأمر في 1973 بعد أن أصبحت فكرة التواصل، وشبكة المعلومات شيء حقيقي وواقعي، لتكون بداية انطلاق الإنترنت، أو ما سمي بولادة الإنترنت في ذلك الوقت.
وبعد مرور ثمانية عشر عاماً وتحديداً في 1991 بدأت الخطوات الأولى في جعل خدمات الإنترنت متاحة للجميع، تلك القفزة أعقبها بعام واحد فقط انتشار لبرامج الصوت والفيديو عن طريق شبكة الإنترنت، ومع مرور الوقت وانتشار الإنترنت في مختف البلدان، كان العالم مع التدشين الفعلي للشركات المهتمة بوسائل التواصل الاجتماعي ” الفيس بوك – تويتر – الانستغرام”، وموقع اليوتيوب وغيرها من الشركات.
تلك القفزات التكنولوجية في عالم الإنترنت، دفع عدد من المنظمات الدولية للحديث عن أهمية التوعية بشبكة الإنترنت وبكل القضايا ذات الصلة، وفي هذا السياق كانت مبادرة الاتحاد الأوروبي والمنظمة الأوروبية Insafe في العام 2004، بتخصيص يوم عالمي للإنترنت الآمن، وفي 2009، تم تشكيل لجان لليوم العالمي للإنترنت الآمن داخل الدول لتقوية الروابط فيما بينها وتعزيز التعاون في القضايا المتعلقة بالأمان والسلامة على الإنترنت.
أهمية المبادرة ساهم في انتشارها في مختلف دول العالم، وفي عامنا الحالي تشارك دول العالم في الاحتفال بهذه المناسبة العالمية في اليوم الثاني من الأسبوع الثاني من شهر فبراير من كل عام، لكونها مناسبة تهدف إلى رفع مستوى الوعي بالتحديات التي تواجه الانترنت ومستخدميها، خاصة الشباب والأطفال، كما يهدف أيضاً إلى توسعة نطاق الوعي بالجرائم المرافقة لاستخدام الإنترنت، مثل الاستغلال الجنسي للأطفال والنساء بشكل خاص، فضلا عن الجريمة الالكترونية، وأهمية حماية الخصوصية، والتنبيه لحالات الاستخدام الخطر والعواقب القانونية وسط تطوير معايير وأنظمة أخلاقية وسلوكية لائقة للاستخدام لهذه الأداة الفعالة والمؤثرة.
وحسب القائمين على المبادرة فإن الاحتفال يسهم في تعزيز الاستخدام الآمن والإيجابي للتكنولوجيا الرقمية، ورفع الوعي بقضايا السلامة على الإنترنت، وفي العادة تعقد الفعاليات والانشطة المختلفة في سبيل تسليط الضوء على الاستخدامات الإيجابية للتكنولوجيا واستكشاف الدور الذي يمكن أن يقوم به الجميع من أجل المساعدة في خلق مجتمع إنترنت أفضل وأكثر أماناً، ويرى القائمين على تلك المبادرة أن الاحتفال يسهم في لفت اهتمام “الشباب والآباء ومقدمي الرعاية والمعلمين والأخصائيين الاجتماعيين ومسئولي إنفاذ القانون والشركات وصناع القرار وغيرهم من المسئولين” للتضامن والاتحاد جميعاً من أجل المساعدة في خلق إنترنت آمن للجميع.
وتشير الأدبيات الخاصة بتلك المبادرة وغيرها من المبادرات ذات الصلة، أن الهدف من اليوم العالمي للإنترنت يتضح من خلال جزئيين، الأول: الحفاظ على الخصوصية لدى الآخرين من خلال رفع الوعي بحالات الخطر والاستخدام السيء وعواقبه القانونية بجانب تطوير معايير وأنظمة أخلاقية وسلوكية لائقة عند استخدام الإنترنت، الثاني: توفير أدوات وبرامج تقنية وعملية مفيدة وسهلة الاستخدام وصولًا إلى تعزيز العمل المشترك نحو إيجاد آليات مناسبة للعمل نحو استخدام آمن للإنترنت.
ولا بد من الإشارة إلى أن الحديث عن إنترنت آمن يعني “بقاء المعلومات الخاصة تحت سيطرة الشخص المباشرة والكاملة، أي عدم إمكانية الوصول لها من قبل أي شخص آخر دون إذن وأن يكون الشخص على علم بالمخاطر المترتبة على السماح لشخص ما بالوصول إلى المعلومات الخاصة”.
الاعتداءات على قطاع الاتصالات:
جدير بالذكر، أن احتفال الجمهورية اليمنية بهذه المناسبة في العام الحالي 2022 يأتي بعد أسابيع قليلة من انقطاع خدمات الإنترنت على البلد بفعل غارة جوية، من قبل طيران العدوان “السعودي – الإماراتي” استهدفت البنى التحتية للإنترنت في مدينة الحديدة، التي تنقل كابل الإنترنت إلى مختلف المحافظات اليمنية، فضلاً عن أن الغارة أودت بحياة ستة مواطنين ونحو ثمانية عشر جريحاً.
وبحسب منظمة “NetBlocks” المعنية بمراقبة أمن شبكات الإنترنت في العالم، إن “الاضطراب بدأت حوالى الساعة 1 صباحاً”، وإن اليمن كان “في خضم انقطاع للإنترنت على مستوى الدولة في أعقاب الغارة الجوية على مبنى الاتصالات”، كما أكد مركز التحليل التطبيقي لبيانات الإنترنت، وشركة الإنترنت “CloudFlare” على حدوث انقطاع في الإنترنت على مستوى اليمن.
وتسبب انقطاع خدمات الإنترنت في مفاقمة الأضرار القائمة وتعطل مصالح الملايين داخل اليمن وخارجه، وإيقاع خسائر كبيرة في مختلف القطاعات الاقتصادية، وتوقف المعاملات المصرفية البنكية وفي شركات الصرافة، كذلك توقفت التحويلات المالية من قبل المغتربين لذويهم، والتي تعتبر بمثابة شريان للحياة للملايين من اليمنيين، إضافة إلى انقطاع كافة الاتصال مع القطاع المالي والمصرفي الدولي، إلى جانب تضرر الأعمال الحيوية والوظائف الرسمية في جميع أنحاء البلد، إضافة إلى تسببه في شلل كامل لمواقع التواصل الاجتماعي.
يشار إلى أن استهداف مبنى الاتصالات في مدينة الحديدة لم يكن الأول، ولكنه حلقة واحدة في إطار مسلسل طويل من الاستهداف الممنهج لقطاع الاتصالات، الذي بدأ مع العدوان المباشر في 26 مارس 2015، إلا أن عمليات استهداف الأبراج وشبكات الاتصالات كانت في مقدمة الاعتداءات التي طالت القطاع، وأدت إلى حرمان المواطنين من خدمات الإنترنت والاتصالات في المناطق يمنية المستهدفة.
عمليات الاستهداف المباشر للأبراح وشبكات الاتصالات لم يكن الاستثناء ولكنه جزء من مسار طويل من التدمير المقصود لقطاع الاتصالات من قبل العدوان، الذي كان حريصاً على حظر استيراد التجهيزات والمعدات اللازمة لتعويض ما دمرته الحرب، والتجهيزات اللازمة الهادفة لتطوير القطاع، وهو ما أضعف في المحصلة النهائية من تغطية الاتصالات والإنترنت في عموم الجمهورية.
وفي بيان أصدرته وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات في مارس 2021 بشأن قطاع الاتصالات في الجمهورية اليمنية، أشار البيان أن خسائر قطاع الاتصالات والبريد، بلغت “خمسة مليارات و452 مليون و572 دولار” خلال ست سنوات من العدوان.
وأشار البيان أن العدوان استهدف بشكل مباشر ألفين و409 مواقع ومنشأة تابعة للاتصالات والبريد وألحقت بهما دماراً وأضراراً جسيمة، وبأن طيران العدوان دمر بشكل مباشر 32 % من البنية التحتية و24% تدمير جزئي، إضافة إلى أن العدوان دمر 248 برجاً تابعاً وألف و652 محطة اتصالات و46 منشأة سنترالات وألف و458 معدات قوى وتكييف و32 كبينة اتصالات، و28 صالة بريد، و50 وسيلة نقل بريدي و34 صرافاً آلياً.
وأكد البيان: أن 87 مدينة وقرية تم عزلها عن العالم بانقطاع خدمات الاتصالات والانترنت، لما يقارب مليون 315 ألف و724 مواطناً، وأن 14 مليون مستخدم تضرروا من ضعف تردي خدمات الاتصالات والإنترنت.
وكشف بيان وزارة الاتصالات، أن خمسة ملايين و592 ألف و120 مواطناً حرموا من خدمات البريد والبريد الدولي، فيما تضرر ألف و642 مستشفى وجامعة ومرفق خدمي من عدم الاستفادة من خدمات الاتصالات وعدم قدرة 850 ألف و 778 طالباً وباحثاً من الوصول للمعلومات وعجزهم عن التواصل مع مراكز الأبحاث والتعليم عبر الانترنت في الداخل والخارج.