صنعاء-سبأ:مركز البحوث والمعلومات: زيد المحبشي
تعود بدايات التعاطي السياسي مع قضية المناخ إلى 12 فبراير 1979 إثر انعقاد أول مؤتمر دولي حول مخاطر المتغيرات المناخية بجنيف، تتابعت بعدها المؤتمرات والقمم بالتوازي مع توسع رقعة الجدل السياسي حول حقيقة ارتباط التبدلات المناخية بالكوارث الطبيعية من عدمه، في حين اقتصرت مفرزة العمليات التفاوضية الأممية على إخراج الاتفاقية الإطارية للأمم المتحدة حول المناخ عام 1992، وبروتوكول كيوتو 1997، وهذا الاتفاق بالذات لا يزال محل جدل بين أباطرة العالم الى اليوم.
وعود وتعهدات وكلام كثير وكبير سمعناه في قمم المناخ وما تمخض عنها من بيانات هزيلة غلبتها مسحة الألغاز والطلاسم العصية على الفهم، والتي لا تخدم الأرض، بل تزيد من اشتعال الحروب البشرية الجائرة ضد البيئة، وتُباعد الخطوات والآمال في خروج اتفاقية دولية مُلزمة تضع حداً لهذه الحروب، وتُخفف من معاناة فقراء العالم وتحد من عبثية ومظلومية استمرار دفعهم لفاتورة الطمع والغرور الرأسمالي وتحميلهم القسم الأعظم من تداعيات المناخ.
المشكلة المناخية بدأت اليوم تطرح مشاكل باتت تهدد الجميع، ومع ذلك رغم مرور 30 عاماً من المفاوضات الأممية العقيمة ما يزال دور المال في السياسة يمثل عائقاً كبيراً أمام حل معضلة الاحتباس الحراري، وما تزال الحكومات تستمع لمستشاريها السياسيين أكثر من استماعها للخبراء في العلوم، وما تزال الكارتلات الرأسمالية مستمرة في صم آذانها عما يُحدق بنا من مخاطر كونية كارثية، وترفض التعايش مع المعطيات “البيو- مناخية”، في الوقت الذي تشير فيه المعطيات إلى أن تقدميتها الرأسمالية قد تنقلب إلى رجعية مدمرة، إذا ما بدأ نمط إنتاجها يتناقض ويتضارب مع قدرة الأرض على تحمل مضاعفاته.
الحاجة اليوم ماسة لمنح مركزية الأرض والمناخ الأولوية وليس الاقتصاد والإنسان، والابتعاد عن التسويات السياسية لن الطبيعة والقوانين الفيزيائية لا تحتمل التسويات، وتبقى كما هي، وكون ذلك لا يبدو قريباً في عالمٍ البقاء فيه للأقوى، يبقى الخلاص والباب الوحيد أمام فقراء العالم هو الإكثار من الصلاة والدعاء بأن تكون الكوارث البيئية المقبلة، وهي مقبلة حتماً محدودة وغير شاملة، بحيث يتمكن من يتبقَ من البشر من إعادة بناء علاقة سوية مع الطبيعة انطلاقاً من إدراك القيمة الكامنة في العالم الطبيعي والعمل على الحفاظ عليها.
وتبقى الألطاف الإلهية وحدها لا سواها أرحم بالبشر من أنفسهم.
وبالعودة الى التفاعل السياسي فأهم المحطات في العقدين الأخيرة:
1 – قمة واتفاقية كيوتو 1997
شهد العام 1995 تفاعل غير مسبوق لمناقشة قضية المتغيرات المناخية وإيجاد حلول تقي البشرية تداعياتها الكارثية، وتوجت هذه التفاعلات بالتوقيع على “اتفاقية كيوتو” في العام 1997، وضمت مجموعة من الدول المُلزمة قانونيّاً بخفض انبعاثات الغازات الدفيئة حسب أسس وأهداف متفق عليها، وقد تمّ تقسيم الاتفاقية إلى فترتين.
أ – الفترة الأولى “2008 – 2012”.
ب – الفترة الثانية “2013 – 2020”.
2 – اتفاقية باريس 2015
هدفت إلى تكثيف وتسريع الإجراءات التي تساعد على مكافحة التغيّرات المناخية، وتخفيض نسبة غاز ثاني أكسيد الكربون في الجو، وتميّزت عن سابقاتها بتوحيد جميع الدول بما فيها الدول النامية في قضية التغيّرات المناخية، وإيجاد حلول مشتركة لمكافحتها، وتعزيز استجابة جميع الدول لمواجهة خطر التغيّرات المناخية من خلال محاولة منع ارتفاع درجة حرارة سطح الأرض إلى أكثر من 1.5 درجة مئوية فوق معدّلها الطبيعي، ولاتزال هناك حاجة لتقليل معدل الانبعاثات على المستوى العالمي بنحو 45 %، بحلول العام 2030، بينما يجب تقليل المعدلات نفسها إلى ما يقرب من صفر، بحلول منتصف القرن الحالي 2050.
3 – قمة المناخ 2019
انعقدت في 23 سبتمبر 2019 وعملت على وضع مجموعة من الأسس والحلول المشتركة والمتعلّقة بالصناعات الثقيلة، والطاقة، وغيرها من القطاعات التي لها دور بارز في حل هذه المشكلة.
4- قمة “كوب 26” 2021
انعقدت في “غلاسكو” الإسكتلندية بمشاركة 200 دولة, واستمرت 10 أيام، 1 – 12 نوفمبر 2021، وخرجت باتفاقية “غلاسكو”، وهي أول اتفاقية دولية تتضمن تعهدات بتقليل استخدام الفحم، كمصدر للطاقة، وخطة طريق لتقليل معدل زيادة درجة حرارة الكوكب إلى ما دون 1.5 درجة مئوية، كما نصت على ذلك اتفاقية باريس 2015، ومن أهم مخرجاتها:
1 – تقليل معدل الانبعاثات الغازية، وتقليل اعتماد العالم على الفحم.
2 – الوعد بتقديم المزيد من المساعدات المالية للدول الأفقر من أجل مساعدتها على مواجهة تبعات الاحتباس الحراري.
ورغم التأكيد على تسريع وتيرة مكافحة الاحتباس، لم يتمكن المشاركون من التوافق على تقديم ضمانات عملية بتقليل معدل الانبعاثات بحيث تبقى معدلات زيادة درجة الحرارة أقل من 1.5 درجة مئوية، كما أن وعود مساعدة الدول الفقيرة على مواجهات تداعيات الاحتباس الحراري مجرد بيع كلام وحبر على ورق كالعادة.
وأقرت مسودة الاتفاقية بأن الالتزامات الحالية لخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري التي تسبب ارتفاع درجة حرارة الكوكب ليست كافية، وطلبت من الدول وضع تعهدات مناخية أكثر صرامة في العام المقبل 2022، بدلاً من كل 5 سنوات، كما هو مطلوب حالياً.
وفي حال التزمت جميع الأطراف ببنود الاتفاقية الأخيرة فإن معدل زيادة درجة الحرارة سيصل إلى 2.4 درجة مئوية، ما يعني أن الخطر لا يزال ماثل، فكيف إذا لم يلتزم أمراء التلويث وعلى رأسهم أميركا والصين والهند ببنود الاتفاقية وهو المتوقع؟!.
ويقول العلماء إن تخفيض ارتفاع درجة حرارة الأرض إلى 1.5 درجة مئوية مقارنة بمستويات ما قبل الثورة الصناعة سيحمينا من تبعات خطيرة للتغيرات والتقلبات المناخية، ولو زادت على ذلك فإن الأرض ستشهد كوارث مُفجعة عديدة منها على سبيل المثال تعرض ملايين البشر لدرجات حرارة عالية بشكل متطرف، وارتفاع شديد في مستوى سطح البحر، والجفاف الشديد، والعواصف القوية، وحرائق الغابات التي هي أسوأ بكثير من تلك التي يعاني منها العالم بالفعل.
ويتطلب تحقيق هذا الهدف تخفيض انبعاث الغازات بنسبة 45 % بحلول العام 2030، وإلى الصفر بحلول العام 2050، كما دعت الى ذلك اتفاقية باريس.
ويرى العلماء أن ارتفاع درجة حرارة الأرض الى أكثر من 2 درجة مئوية، سيؤدي الى موت جميع الشعاب المرجانية الاستوائية، وتعرض عدة مدن وجزر عالمية للغرق في حال زادت درجة حرارة الكوكب بشكل غير منضبط، وما نراه من إعصار مدمر في الفلبين شاهد إثبات لغضب الطبيعة من عبث الرأسمالية، لكن من يهتم بما يحدق بالبشرية من مخاطر في هذا العالم الأصم؟.
ويتحمل الفحم المسؤولية عن 40 % من انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون سنوياً، ما يجعله محط الأنظار لجميع جهود مواجهة التغيرات المناخية، لكن تعهدات الدول حتى الآن لخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، ومعظمها ثاني أكسيد الكربون الناتج عن حرق الفحم والنفط والغاز، لن تؤدي إلا إلى الحد من متوسط ارتفاع درجة الحرارة العالمية عند حدود 2.4 درجة مئوية، بما يحمله ذلك للبشرية من مخاطر غير محمودة العواقب.
ودعت الأمم المتحدة للحد من استهلاك الفحم والدعم الضخم الذي تقدمه الحكومات في جميع أنحاء العالم للنفط والفحم والغاز من أجل تزويد المصانع بالطاقة وتدفئة المنازل، وهو أمر لم يتم الاتفاق عليه في أي دورة سابقة من مؤتمرات المناخ.
وترى البلدان النامية أنه يجب على الدول الغنية، التي تعتبر انبعاثاتها تاريخياً مسؤولة إلى حد كبير عن ارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض، دفع المزيد من الأموال لمساعدتها على التكيف مع عواقب تلك الانبعاثات والحد من آثارها.
والمؤكد هنا أن أزمة المناخ ليست جديدة، لكنها أصبحت ملحة حديثاً نتيجة الشره الأعمى للرأسمالية العالمية المتعاظم على حساب الطبيعة وتوجهها المتعمد منذ أن صارت القوة العالمية الوحيدة في العام 1990 إلى رفض إخضاع نموها الاقتصادي للتوازنات البيئية ومستلزماتها، وهذا الموقف ليس سوى صدى لقاعدة انطلاق الرأسمالية تاريخياً والتي أقامت على أساسها صرحها الكبير منذ القرن الثامن عشر، معتبرة الطبيعة “عدواً يجب مقاتلته وإخضاعه واستنزافه حتى الموت”، واعتقادها بأن العالم يمكن فهمه وتغييره في المختبرات والمصانع، وأنه لا يعدو عن كونه مجرد آلة مادية عملاقة يمكن تفكيكها وتركيبها كما يشاء الإنسان، ولذا ليس من قبيل المبالغة أن هذه الفلسفة وليس الدول الغنية وحدها كانت المنتصر الحقيقي في مؤتمرات المناخ المتناسلة من رحم العقم الدولي.
إذن فالجدل السياسي المحتدم حول المناخ وانفصال المفاوضات حول تقلباته المخيفة طوال العقود الثلاثة الماضية، عن الواقع، هو الأكثر خطورة على حاضر ومستقبل البشرية، لاسيما وأنها وجدت لها من العلماء من يخدمها ويُشيع التفاؤل تجاه البيئة وموادعتها، إثر نجاح الكارتلات الرأسمالية الكبرى في اجتذابهم إلى صفها مقابل حفنة من المال.
إنه عاَلمٌ بلا روح وبلا أخلاق وبلا قِيم، يسبح في بحر من ظلمات الحروب والأحقاد والأمراض النفسية والجسدية، رغم تأكد الجميع مما ينتظرهم من عواقب جراء تدميرهم البيئة والطبيعة، فالهوة تزداد عمقاً بين شمال الأرض الغني وجنوبها الفقير، وبين الموت والكفاح من أجل البقاء، وبين الرأسمالية المتوحشة والسماح لها بمواصلة عربدتها القاتلة ضد البيئة والحياة والروح، وتشعّب الشرخ كالجرح العميق ليس فقط خلال مفاوضات قمم المناخ وإنما خلال المجتمع المعولم على المستوى الدولي.
جرحٌ لا نملك معه سوى الارتجاف وجلاً ونحن نرى حفنة من أنصار الجينة الأنانية تقذف بالبشرية بأسرها في أتون الاحتراق الحراري مفرزة أشد المشاعر البشرية قُبحاً: الطمع والغرور والخوف وانعدام الثقة، بيد أن اندمال هذا الجرح من العمق قبل تحوله إلى قُرحة مليئة بالصديد لا يبدو أنه بات قريباً في ظل التزايد المطرد لحجم الظواهر والكوارث الطبيعية كماً ونوعاً وقوة.