صنعاء – سبأ: أنس القاضي
استقبلت الجماهير الشعبية اليمنية في مختلف المحافظات خبر الانتصارالكروي بتفاعل غير مسبوق، اختلط فيه الرياضي مع الوطني والموقف السياسي ضد السعودية، ورغم أن الفوز ببطولة غرب آسيا كروي رياضي، إلا أنه ثري بدلالاته وعميق في أثره على الوعي الاجتماعي اليمني.
الانتصار والموقف الجديد
سبق الانتصار الكروي في بطولة غرب آسيا، تطور ايجابي في الوعي الاجتماعي اليمني عموماً وخاصة في المناطق المحتلة التي شهدت مظاهرات حملت تحالف العدوان المسؤولية المباشرة عن انهيار قيمة العملة الوطنية، في تعز وعدن وحضرموت، وهي المحافظات التي شهدت احتفالات عشية الانتصار الكروي، فهذا الحدث جاء ليطلق العنان للموقف الوطني الذي ظل يتراكم خلال الفترة الماضية.
وكانت مليشيات المرتزقة تعمل على إحباط الأنشطة الثورية للمجتمعات في المحافظات المحتلة وتقمع الرأي والموقف المضاد للسعودية، فجاء الانتصار الكروي في لحظة حرجة أظهرت هذا الموقف الجديد بكل شغف وحماسة وعفوية عجز المرتزقة عن قمع الجماهير ووقف تدفق ابتهاجهم العلني الجماعي في الشوارع والذي أخذ طابعاً نضالياً سياسياً، وإلى جانب هذه المحافظات فقد احتفل اليمنيون في العاصمة صنعاء وصعدة شبوة ولحج وأبين وصعدة ومأرب وغيرها من الحافظات.
أظهرت الفرحة الكروية عمق الهوية الوطنية لدى أبناء الشعب اليمني، وهي الهوية التي كانت تحجبها ظروف الحرب والخلافات السياسية والمناطقية وآثار الصراعات الماضية، وقد مثل تجلي هذه الوحدة الشعبية احراجاً لتيار الحراك الانفصالي الذي ينكر الهوية اليمنية، وكذلك بالنسبة لبقية القوى التي ترفع الشعار المناطقي أو شعار “القومية اليمنية” وغيرها من المشاريع دون الوطنية.
الوحدة الشعبية
أظهرت الفرحة الكروية عشية انتصار المنتخب الوطني للناشئين عمق الوحدة الوطنية لدى الشعب اليمني في مختلف المحافظات وخاصة المحافظات الجنوبية ومراكزها السياسة عدن وحضرموت، حيث خرجت الجماهير فيها تهتف “بالروح بالدم نفديك يا يمن”، وهي بذلك تعبر عن مكنون انتماء عاطفي عميق وعن موقف سياسي حرمت من التعبير عنه بفعل الخطاب المتطرف للحراك الجنوبي الانعزالي الذي يدعو “للجنوب العربي”.
وتجسدت الوحدة الشعبية في انتماءات لاعبي المنتخب الوطني من مختلف المحافظات والمذاهب، وحدة تجاوزت كل سياجات الحرب الطارئة وكل الدعوات التمزيقية والتفتيتية التي يؤججها تحالف العدوان، وهذه الوحدة التي تجسدت في تركيبة لاعبي المنتخب وفي الفرحة اليمنية العامة، بمثابة إستفتاء شعبي على وحدة الإنسان اليمني إجتماعياً ووجدانياً وهي وحدة أهم وأكثر صلابة من الوحدة السياسية ، فالوحدة السياسية تجربة تتعرض للانتكاس ولإعادة الصياغة وتخضع للمتغيرت، فيما الوحدة الشعبية هي الأصل وهي الأساس والأمل في صوغ اليمنيين مستقبلاً دولة موحدة عادلة أكثر رسوخاً وصلابة قائمة على أسس العدالة والتنوع والشراكة الوطنية.
النصر حاجة الشعب
كان الانتصار احتياجاً شعبياً، احتياجاً الفرحة بعد 11 سنة من المعاناة، وأيضاً الحاجة لانتصار على السعودية التي لم تفرق بين يمني وآخر ومس ضر التدخل العسكري -التي تتزعمه- الجميع، فجاء الانتصار الكروي بمثابة رد اعتبار للشعب اليمني تجاه السيطرة السعودية.
بهذا الانتصار يمكن القول بأن الشعب اليمني تجاوز عقدة تاريخية متمثلة في عدم انتصاره على السعودية في أي مجال وبقائه عرضة لعدوانها وتدخلاتها، وهي عقدة راسخة منذ خسارة اليمن أمام السعودية في حرب 1936م، وهذا الانتصار يعزز الآمال بإمكانية هزيمة السعودية وصيانة الاستقلال الوطني.
كانت القوة الصاروخية وأبطال الجيش واللجان الشعبية قد كسروا هذه العقدة بشكل جزئي بسب الانقسام السياسي الذي يجعل انتصارهم شكلياً وكأنه محسوب لطرف يمني دون آخر فجاء الإنتصار الكروي ليحطم هذه العقدة عند كل اليمنيين، فكل يمني وطني حر في مختلف المحافظات شَعر بأنه انتصر على السعودية، وأيقن بأنه بإمكان هزيمة السعودية وصون سيادة الوطني وشق الشعب طريق التطور الوطني بشكل مستقل وفق خيارات داخلية وطنية خالصة.
المغترب والاعتزاز بالوطن
الحضور الجماهيري اليمني في الملعب في الدمام بالسعودية، أظهر عمق الانتماء الوطني للعمال اليمنيين المغتربين في المملكة، والذين خرجوا من البلاد مكرهين بفعل الضغط الاقتصادي وكان هتافهم ” بالروح بالدم نفديك يا يمن” هتافاً سياسياً حربياً وليس هتافاً رياضياً، وعبر هذا الهتاف والحضور بشكل جماعي عن موقفهم التضامني مع الوطن اليمني الذي يتعرض للعدوان ،وهو الحق الذي حرموا منه طوال الفترة الماضية.
المرتزقة يتبرأون من الانتصار
مَثل الإنتصار الكروي احراجاً كبيراً لمتزقة العدوان، الذين ما انفكوا في تغريداتهم وتصريحاتهم يهونون من هذا الانتصار، فهم بالتهوين منه والتقليل من شأنه على الصعيد الكروي إنما يتبرأون من دلالته السياسية، فلا يتصور هؤلاء المرتزقة مسألة إنتصار اليمن في أي مجال من المجالات على المملكة السعودية التي ترعاهم.
التنكر لقدرة اليمني على الإبداع والتطوير والاستكثار على حقه في التفوق والانتصار، ليس مقتصراً على الجانب الرياضي، فطوال السنوات الماضية من عُمر العدوان على بلادنا ظل المرتزقة من سياسييين وإعلاميين ينكرون أن تكون أي من الانتصارات العسكرية اليمنية يمنية خالصة، وكذلك إنكار قدرة اليمنيين على التصنيع العسكري وقيادة العمليات وإنزال الهزائم بتحالف العدوان، هذا الإنكار ينتقل اليوم من الحقل السياسي العسكري إلى الحقل الرياضي.
تحالف العدوان يتطهر بأبطالنا
منذ الوهلة الأولى للإنتصار والتفاعل الشعبي مع أبطال اليمن الذي عم مختلف محافظات الجمهورية أدرك تحالف العدوان خطورة تأثير هذا الإنتصار، وخطورة تشكل لدى الشعب صورة بطل يمني اكتسب بطولته من هزيمة السعودية ويجمع عليه كل الشعب وهو ما تجسد في فريق الناشئين، تنبه تحالف العدوان لهذا الأمر جعلهم يحاولون من جهة إحراق صورة الأبطال ومن جهة ثانية محاولة غسل صورتهم السيئة المعمم لدى الشعب باستضافة المنتخب الوطني.
وهكذا طوال الأسبوع الماضي نجد أن وزير الرياضة في الحكومة العميلة نايف البكري قام، باقتياد المنتخب الوطني لزيارة الرئيس الخائن هادي، وكذلك لقاء نائب مدير مكتبه وكيل الاحتكارات النفطية العيسي الذي ضغط عليهم بأن يهدونه القلادات، وكذلك قام باقتيادهم إلى زيارة السفارة البريطانية وكذلك قام باقتيادهم إلى لقاء السفير السعودي محمد آل جابر، وغيرها من التحركات التي تهدف إلى محاولة تغطية هذه الشخصيات والقوى على جرائمها.
منتخبنا الوطني اليوم في السعودية في وضع الأسير فيما هو حر في قلوب ملايين اليمنيين في الوطن في القرى والمدن المدمرة ومخيمات النزوح، وفي الأحياء والملاعب الشعبية، في كل التربة الوطنية التي جاء منها هؤلاء الأبطال.