صنعاء-سبأ: مركز البحوث والمعلومات
كانت الحرب على اليمن منذ يومها الأول، شاهد إثبات على حقيقة أن المجتمع الدولي لا يعرف سوى لغة المصالح فقط، وأن السنوات السبع من العدوان الممنهج على “الإنسان والحيوان والشجر والحجر” وعلى كل مقدرات الشعب اليمني في الماضي والحاضر، لم يكن لها أن تغير حقيقة أن المصالح هي لغة العصر “وكل عصر” وأن العلاقات الدولية في عالم اليوم لا يمكن فهمها بعيداً عن المصالح القومية للدول وموازين القوى الدولي والاقليمي.
وخلال سنوات العدوان التي أزهقت فيها أرواح عشرات الآلاف من الأبرياء، كانت البيئة شاهدة وضحية “في ذات الوقت” على التدمير الغير مسبوق والممنهج على كل ما له علاقة بالتربة والماء والبحر والهواء، وعلى مزيد من المعاناة الصحية للإنسان في الحاضر وعلى الأجيال المتعاقبة مستقبلاً.
هذا الأجرام تجاه تدمير البيئة لم يقابل في المجمل، سوى بغض الطرف والصمت من قبل المجتمع الدولي في اغلب الاحيان، وإن وجدت الإدانات اﻟﺪوﻟﻴﺔ ﺗﻜﻮن ﻋﻠﻰ اﺳﺘﺤﻴﺎء وهدفها الابتزاز، وهو ما يؤكد على تواطؤ المواقف الدولية تجاه الانتهاكات المستمرة من قبل التحالف السعودي الإماراتي في العدوان على اليمن.
وما يجب التذكير به، أن ما تم التعرف عليه من جرائم وتجاوزات تجاه البيئة الطبيعية “أرض وجو وبحر” خلال السنوات الماضية تجاه اليمن ليس إلا “غيظ من فيض”، لا سيما وأن استمرار الحرب مازال يخفي الكثير من الجرائم في حق الشعب والوطن، وسوف تتكشف الكثير من الأضرار المرتبطة بالتربة الزراعية والنبات والتنوع الحيوي، إضافة إلى تلوث البحار بالنفط وغيرها من الجرائم تجاه البيئة ومحيطها.
وما تلك الجرائم ليست سوى محصلة طبيعية للاستخدام المفرط للأسلحة المدمرة والمحرمة دولياً، التي استخدمت في ضرب اليمن “أرض وإنسان” بما فيها الأسلحة الكيماوية والموجهة و التكتيكية، والتي انعكست سلباً “ومازالت” على صحة السكان في الوقت الحاضر وعلى الأجيال القادمة، وتاريخ الحروب يؤكد “وبما لا يدع مجالاً للشك” أن المعارك العسكرية قد تتوقف تحت أي ظرف كان، ولكن ما لا يمكن إيقافه هو التأثير المدمر لتلك الحروب على البيئة وبالتالي على صحة الإنسان مستقبلاً.
المؤسف أن تلك الجرائم “وما أكثرها” من قبل العدوان لم تكن قادرة على إحداث تغيير واضح في المواقف الدولية ولو في حدودها الدنيا، على الرغم من أن هناك “قوانين ومعاهدات دولية” تفرض على المجتمع الدولي إدانة المعتدي الذي تجاوز اخلاق الحرب، خاصة مع استخدام الاسلحة المحرمة وبكميات مهولة في الحرب المفروضة على اليمن.
جزيرة سقطرى … العبث يستمر
فيما يخص تناقض المواقف الدولية من الجرائم الواقعة في اليمن منذ سنوات، يمكن الوقوف عند حرص المجتمع الدولي على الاحتفال العلني في السادس من نوفمبر من كل عام باليوم الدولي لمنع استخدام البيئة في الحروب والنزاعات المسلحة، فيما الصمت العالمي يدخل عامه السابع تجاه استمرار الانتهاكات والمجازر بحق الشعب اليمني من قبل التحالف الذي استخدم في عدوانه ملايين الأطنان من القذائف والصواريخ والقنابل المحرمة دولياً “بحسب القانون الدولي والمعاهدات الدولية”، إلى جانب الآلاف من القنابل العنقودية؛ التي يتعاظم تأثيرها المدمر على الحجر والبشر دون استثناء مع مرور الوقت.
وتقف جزيرة سقطرى اليمنية كمثال بارز على الاستهداف الممنهج للبيئة ومحيطها من قبل دول العدوان، حيث تشير التقارير الواردة من الجزيرة أن هناك سياسات مستمرة من قبل الاحتلال الإماراتي لضرب التنوع البيئي في “البحر والبر” وفي مقدمة تلك الممارسات “اقتلاع الأشجار النادرة ونقلها مع عدد من الحيوانات المستوطنة إلى خارج الجزيرة، إضافة إلى تجريف الشعب المرجانية وتلويث الحياة البحرية”.
وفي هذا السياق يشير هاشم السقطري، محافظ محافظة سقطرى بقوله « أن الإمارات نهبت ودمرت معالم البيئة والثروة السمكية، وشيدت مباني خارج إطار خطة البيئة، وجندت الشباب لأغراض عسكرية، وعملت على تمزيق النسيج الاجتماعي، وسيرت رحالات إماراتية وأفواجا من السياح الأجانب، وشراء أراضي بشكل كبير من قِبل الإماراتيين»
وخلال حديثه عن ما يميز جزيرة سقطرى عن غيرها، أوضح السقطري «أن أرخبيل سقطرى صُنف كأحد مواقع التراث العالمي عام 2008م، نظراً للتنوع الحيوي والأهمية البيئية، التي تحوي 800 نوع من النباتات النادرة، منها 270 نوعاً مستوطنا، ولا يوجد لها مثيل في العالم، و10 أنواع من النباتات النادرة المهددة بالانقراض»، وأضاف المحافظ «أن الأرخبيل يوجد فيه 220 نوعاً من الطيور، منها 32 نوعاً نادراً وهناك طيور مهاجرة، إضافة إلى كهوف ومحميات طبيعية يزخر بها أرخبيل سقطره».
يشار إلى جزيرة سقطرى من أهم الجزر في العالم حسب التصنيف الدولي للتراث العالمي نظراً للتنوع الكبير واحتوائها على الآف النباتات والحيوانات والطيور النادرة، وتبلغ مساحة الجزيرة “التي أعلنت كمحمية طبيعية عام 2000” حوالي 3650 كيلو متر مربع، ويتكون الأرخبيل إلى جانب الجزيرة الرئيسية، من مجموعة من الجزر الصغيرة أهمها “عبد الكوري وسمحة ودرسة” ويعمل معظم السكان في الصيد والرعي والزراعة.
ويؤكد عدد من المراقبين، أنه مع وصول قوات الاحتلال الإماراتي في العام 2018 بدا واضحاً أن مجريات الأحداث سوف تتبدل باتجاه التصعيد السياسي والعسكري، وبمرور الوقت ومع ارتفاع حدة الصراعات ما بين السعودية والإمارات على تحقيق المكاسب على الجزيرة، كان من الطبيعي أن تشهد سقطرى عدد من التحولات على المستوى البيئي، أولها: تحول السكان من الاعتماد على مادة الغاز في الطهو إلى قطع الأشجار للحصول على الأخشاب، خاصة مع انخفاض مستوى الدخل وتردي الخدمات، ثانياً: تسارع الانشاءات العسكرية “و غير العسكرية” وعدم مواكبتها لخصوصية الجزيرة على اعتبارها محمية طبيعية، وتحول مساحات من أرض الجزيرة إلى الاستخدام العسكري لا سيما مع تدشين الصراع المسلح ما بين الفرقاء للسيطرة على الجزيرة، ثالثاً: تعرض الجزيرة لمجموعة كبيرة من الانتهاكات المهددة للنظام البيئي الفريد، منها الصيد الجائر والاتجار غير المشروع لمجموعة كبيرة من الكائنات والنباتات المستوطنة في الجزيرة والمخالف للقوانين المحلية والدولية المتعلقة بحماية البيئة.
إلى جانب تدمير الارث الحضاري الضارب في القدم والمتمثل في المواقع الأثرية في الجزيرة، عبر الشروع في الانشاءات الخرسانية، ولا سيما على جبل وقلعة حواري من خلال العبث في أرض الموقع وتعريضه للنهب المنظم (إلى خارج الجزيرة) والخراب والتدمير بحجة تنفيذ استثمارات سياحية ضرورية، فيما الشواهد على الأرض تشير إلى أن استقدام الافواج السياحية دون وجود ضوابط تتمشى مع كون الجزيرة محمية طبيعية، كان له تأثير على النظام البيئي بما فيه الحياة الطبيعية للكائنات الحية وعلى نقل الأمراض والأوبئة المتفشية خارج سقطرى.
وفي هذا السياق تشير دراسة حديثة إلى وجود آفة “غير معروفة سابقاً” في الجزيرة كان له تأثيراً سلبي على شجرة النخيل، وكشفت الدراسة أن “سوسة النخيل” انتشرت في بعض المزارع وفي أكثر من منطقة، وشكلت “الآفة” حسب المختصين، خطراً محدقاً على أنتاج أشجار النخيل مستقبلاً وعلى التنوع النباتي الفريد داخل الجزيرة.
ختاماً، تمتلك جزيرة سقطرى موقعاً جغرافياً متميزاً، قل نظيره في المنطقة والعالم، إلى جانب ما حبها الله من ثراء طبيعي وحيوي فريد جعل منها درة التاج على قائمة التراث العالمي “في يوما من الأيام”، ولكن الوضع الصعب الذي تعيشه الجزيرة خلال السنوات الأخيرة، أدى إلى التهديد بإخراج الجزيرة من قائمة التراث العالمي، خاصة مع استمرار الممارسات المدمرة للبيئة، من قبل التحالف السعودي الإماراتي.
المراجع/
– محمد راجح، زراعة اليمن في مرمى قصف التحالف: تدمير 131 منشأة، العربي الجديد.
– سقطرى مهددة بالخروج من التراث العالمي بسبب ما فعلته الإمارات في الجزيرة اليمنية، سقطرى بوست.
– سقطرى مهددة بالخروج من التراث العالمي بسبب ما فعلته الإمارات في الجزيرة اليمنية، حلم أخضر”صوت البيئة في اليمن”.
– هشام سرحان، خبراء: الآثار البيئية لأسلحة العدوان السعودي على اليمن (كارثية)، المؤتمر نت.
– اليوم الدولي لمنع استخدام البيئة في الحروب والصراعات العسكرية، موقع الأمم المتحدة.