[27/ مارس/2021]
عواصم-سبأ:
اعتاد النظام السعودي على إطلاق الوعيد والتهديد بالقتل وتصفية معارضيه أو من يخالف وجهة نظر حكامه أو يطالبه بالتحقيق أو يكشف عن مدى تعامل النظام مع القضايا العادلة أو الجرائم التي يرتكبها أركان ذلك النظام المستبد.
وفي هذا السياق، أكدت المقررة الخاصة في الأمم المتحدة أنياس كالامار أنها تعرضت للتهديد من مسؤول سعودي رفيع إثر تحقيقها في اغتيال الصحفي جمال خاشقجي عام 2018.
وقالت في “تغريدة” على تويتر أمس الجمعة، إن “تهديد المملكة العربية السعودية لي كان فاضحا، فقد حدث في مكان دبلوماسي رفيع المستوى وتم كشفه، وأكدته الأمم المتحدة”.
وأضافت كالامار أنه “يجب ألا تكون أساليب التنمر ممكنة في أي مكان، حيث لا مكان لها في الأمم المتحدة”.
ونقلت صحيفة ” الغارديان” في وقت سابق هذا الأسبوع أن “مسؤولا سعوديا رفيعا هدد مرتين خلال اجتماع مع مسؤولين أمميين بجنيف في يناير 2020 بـ”تولي أمر” كالامار في حال لم تكبح الأمم المتحدة تصريحاتها”.
ولم تكشف أنياس كالامار اسم المسؤول السعودي، لكنها قالت إن زملاءها الحاضرين في جنيف اعتبروا تصريحه “تهديدا بالقتل”.
وأكدت كالامار أن التهديدات التي وجهت لها تحصل “في الكثير من الأحيان للأسف” في الأمم المتحدة.
وتابعت: “على الدول أن تعي أن التصرف مثل المجرمين ليس مقبولا سواء في نيويورك وجنيف أو في عواصم أخرى، أو في مدنها، هذه حاجة ضرورية لأننا نعيش في عالم يتصاعد فيه التوتر ويذكر بحقبة الحرب الباردة”.
وأكد المتحدث باسم مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف روبرت كولفيل، أن “تفاصيل مقال الغارديان حول تهديد أنياس كالامار صحيحة”.
وسبق أن توصل تقرير صدر في يونيو 2019، أعدته كالامار، إلى أن مقتل خاشقجي “يُعد جريمة قتل خارج القانون تتحمل السعودية مسؤوليتها” فيما كشف التقرير أيضا عن أن هناك “أدلة موثوقة” تستدعي فتح تحقيق في تورط الأمير محمد بن سلمان وغيره من كبار المسؤولين رفيعي المستوى في السعودية في القتل.
وقالت كالامار إن الأمير ينبغي أن يخضع للعقوبات التي فرضتها بالفعل دول أعضاء في الأمم المتحدة على بعض الأفراد الذين يعتقد أنهم متورطون في القتل.
وأضافت كالامار أن التحقيقات التي أجرتها السعودية وتركيا لم تف بـ “المعايير الدولية”.
وطالبت أيضا بتعليق محاكمة المشتبهين به والبالغ عددهم 11 شخصا لأن المحاكمة “لن تحقق العدالة كما ينبغي”.
وقالت إن المحاكمة “تُجرى خلف أبواب مغلقة، ولم يكشف النقاب عن هوية من يواجهون الاتهامات ولا هوية هؤلاء الذين يواجهون أحكاما بالإعدام. وحتى وقت كتابة هذا التقرير، لا يزال واحد على الأقل من بين من ثبت أنهم خططوا ورتبوا عملية قتل خاشقجي لم توجه إليه أي اتهامات بعد”.
في منتصف نوفمبر، قالت الحكومة التركية إنها أطلعت السعودية، والولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وألمانيا، وفرنسا على تسجيلات صوتية لمقتل خاشقجي. ورغم عدم الإعلان رسميا عن مضمون تلك التسجيلات، أورد تقرير كالامار تفاصيل التسجيلات التي تحدثت عنها أنقرة.
وأشارت المقررة الخاصة إلى أنها لم تتمكن من الحصول على نسخة من تسجيلات مقتل خاشقجي من المخابرات التركية أو ألتأكد من مصداقيتها.
لكن أحد هذه التسجيلات الصوتية تضمن مناقشة بين من يبدو أنهم اثنين من المسؤولين السعوديين حول كيفية تقطيع ونقل جثمان خاشقجي، وذلك قبل دقائق من وصول خاشقجي إلى القنصلية وفقا لتقرير كالامار.
ونسب التقرير إلى أحد المسؤوليْن السعودييْن قوله أن: “الجثمان ثقيل، وهذه هي المرة الأولى التي أقطع فيها جثماناً على الأرض. إذا أخذنا الأكياس البلاستيكية وقطعناها إلى قطع صغيرة، سوف ينتهي الأمر”. وفي آخر التسجيل تسائل المسؤول الثاني عما إذا كانت “الأضحية” وصلت.
كما سجلت محادثة أخرى تمت بعد ذلك داخل القنصلية تضمنت حديث المسؤولين مع خاشقجي: “سوف نعيدك. هناك أمر من الشرطة الدولية. طلبت الشرطة الدولية إعادتك. وقد جئنا لإعادتك”.
وأشار التقرير إلى أن رد خاشقجي كان: “ليست هناك قضية ضدي. وقد أخبرت بعض الناس في الخارج، وهم في انتظاري، هناك سائق ينتظرني”.
وفي حوالي الساعة الواحدة وثلاثة وثلاثين دقيقة بالتوقيت المحلي أظهر التسجيل خاشقجي وهو يقول “هذه منشفة، هل ستخدرونني”، ويجب شخص ما “سنخدرك”.
وأشار التقرير إلى سماع صوت عراك بعد تلك المحادثة ومعه عبارات تضمنت “هل نام؟”، و”إنه يرفع رأسه”، و”استمر في الضغط”. بعد ذلك، سمعت أصوات حركة، وأشخاص يلهثون، وأغطية بلاستيكية تُسحب.
وتعرفت المخابرات التركية على صوت منشار تم تشغيله في الساعة 1:39 دقيقة ظهرا بالتوقيت المحلي، لكن كالامار والوفد الذي يعمل معها لم يتمكنوا من التعرف على مصادر الأصوات التي سمعوها.
وأشارت تقديرات ضباط مخابرات في تركيا ودول أخرى لما جاء في تلك التسجيلات إلى أنه من المرجح أن يكون خاشقجي قد حُقن بمادة مهدئة ثم خُنق باستخدام حقيبة بلاستيكية، حسب تقرير كالامار.
ولم يُسمح للمسؤولين الأتراك بدخول القنصلية السعودية للحصول على عينات من الحمض النووي إلا بعد أسبوعين من الحادث.
وقال التقرير الأممي إن هناك أدلة قوية على أن مسرح الجريمة “خضع لتنظيف عميق بمعرفة متخصصين في الطب الشرعي” قبل وصول المحققين إليه.
كذلك جرى تفتيش غابة بلغراد في اسطنبول بحثا عن أشلاء خاشقجي، وهو الموقع الذي زاره المحلق القنصلي السعودية في الأول من
أكتوبر عام 2018، أي قبل مقتل الصحفي السعودي بيوم واحد.
وقامت السلطات التركية أيضا بالبحث في مدينة يالوفا التركية الساحلية، إذ ترددت مزاعم تشير إلى أن مواطنا سعوديا يمتلك منزلاً في مزرعة هناك.
ويعتقد نقاد ومراقبون أن ما فعله ولي العهد السعودي محمد بن سلمان فعله سابقوه من أولياء العهود والملوك السابقين في العائلة الحاكمة على امتداد تاريخ حكمهم الذي اتسم بالوحشية والعنف في وجه من يعارضهم من فهي مكون رئيس لبنية هذا النظام، كما أن الذبح والتقطيع والتشنيع موهبة اختص بها أزلام السلطة.
ويرى المراقبون أن اغتيال الصحفي جمال خاشقجي لن يكون الأخير في سجل عمليات الاغتيال الطويلة للمعارضين السعوديين التي ينفذها هذا النظام الذي يتعامل بعدوانية مع كل من يخالفه في الرأي.