[05/ مارس/2021]
عواصم- سبأ: مرزاح العسل
يسعى الكيان الصهيوني بكل ما يملك من قوة، إلى تهويد وطمس المعالم العربية والإسلامية بالحرم الإبراهيمي الشريف في مدينة الخليل بالضفة الغربية المحتلة، منتهكاً بذلك كل القرارات الأممية ذات الصلة.
فالكيان الصهيوني، لم يكتفي باغتصاب الأرض الفلسطينية وبتهجير غالبية الشعب الفلسطيني إلى خارج وطنه، وإنما عمد إلى محاولات طمس كل أثر يدل على الهوية العربية والاسلامية وعلى ارتباط شعب فلسطين بها.
ومنذ تأسيس الكيان الصهيوني، فقد قامت سلطات الاحتلال الحاكمة بحملات محمومة لتهويد أسماء المعالم الجغرافية الفلسطينية خصوصاً بالقدس المحتلة ومدينة الخليل بطريقة لم يسجل لها التاريخ مثيلاً، بالمعايير الكمية والنوعية.
وتعتبر مدينة الخليل في العرف الاستيطاني هي المدينة الثانية من حيث الأهمية بعد القدس المحتلة، بل هي أكثر أهمية عند بعضهم، ولهذا فقد كانت أولى بؤر المستوطنات العنصرية فيها عقب الاحتلال، في العام 1967م.
وفي هذا الصدد صادقت “المحكمة المركزية” التابعة لحكومة الكيان الصهيوني الليلة الماضية، على رخصة البناء المتعلقة بإقامة مصعد للمستوطنين في الحرم الإبراهيمي الشريف.. ما يُعد انتهاكا للقرارات الأممية، لأنه يغير معالم وهوية المسجد التاريخية باعتباره موروثا يجب حمايته.
ويأتي ذلك بعد أن أصدرت المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية فاتو بنسودا الأربعاء، قراراً يقضي بفتح تحقيق رسمي في جرائم حرب مفترضة لسلطات الاحتلال في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
واعتبر مدير عام لجنة اعمار الخليل عماد حمدان في تصريح لوكالة الأنباء الفلسطينية (وفا) أن هذا القرار يأتي ضمن سياسة الاحتلال الهادفة لتهويد الحرم الإبراهيمي، حيث يزعم أن الهدف من إنشاء المصعد إنساني، لكنه قرار استيطاني يهدف إلى الاستيلاء على أكبر مساحة ممكنة من ساحات ومرافق الحرم، وتغيير ملامحه التاريخية والحضارية.
من جهته أفاد محامي لجنة الإعمار بالخليل توفيق جحشن، بأن “المحكمة المركزية” عقدت الأربعاء الماضي جلستها في هذا الشأن، وتقدم محامو لجنة الاعمار بدفوعهم القانونية ضد عملية البناء، وكان لتغير قضاة المحكمة أثر واضح على القرار.
وأكد جحشن أن هذا القرار استيطاني يحاول الاحتلال تغليفه بالطابع الإنساني، حيث اعتمدت المحكمة المخططات والخرائط المقدمة من قبل “النيابة”، والتي تشير إلى الاستيلاء على ما يقرب 300 متر مربع من ساحات الحرم ومرافقة لغرض إقامة هذا المصعد، وهذا أمر مبالغ فيه يؤشر إلى حقيقة المصعد.
وأضاف: “سنتوجه بالتماس للمحكمة العليا الإسرائيلية ضد القرار وبطلب لتجميده”.
ويشار إلى أن محامو لجنة الإعمار كانوا قد انتزعوا في العاشر من الشهر الماضي أمرا احترازيا من المحكمة ذاتها بمنع تنفيذ رخصة البناء لحين البت بشكل نهائي في القرار.
وزارة الخارجية الفلسطينية في أول رد فعل لها أصدرت اليوم الجمعة، بياناً أدانت فيه انتهاكات وجرائم الاحتلال ومستوطنيه المتواصلة بحق الشعب الفلسطيني.
وقال البيان: إن “المحاكم الإسرائيلية ومنظومة القضاء في إسرائيل هي جزءا لا يتجزأ من منظومة الاحتلال وأحد أبرز أدواته في شرعنة جرائم الاحتلال المتواصلة وحمايتها وتوفير الأبواب لهروب مرتكبيها من العقاب، وهو الأمر الذي لن ينطل على قضاة المحكمة الجنائية الدولية، ولن يمر على المحاكم الوطنية للدول”.
وطالب البيان، الأمين العام للأمم المتحدة ومجلس الامن الدولي بضرورة تفعيل نظام الحماية الدولية للشعب الفلسطيني، واتخاذ ما يلزم من الاجراءات والخطوات الكفيلة بتنفيذ القرارات الأممية، خاصة القرار 2334.
من جهتها استنكرت حركة المقاومة الإسلامية في فلسطين (حماس) عبر ناطقها عبد اللطيف القانوع مصادقة ما يسمى بالمحكمة المركزية “الإسرائيلية” على بناء مصعد للمستوطنين في الحرم الإبراهيمي.
واعتبر القانوع ذلك تعدٍ صارخ على المقدسات الإسلامية يهدف لتهويد الحرم الإبراهيمي وتغيير معالمه التاريخية.. قائلاً: “هذه السياسية الصهيونية العنصرية تجاه المقدسات والأرض الفلسطينية لن تمنح قطعان المستوطنين أي شرعية على أرضنا”.
هذا وتواصل قوى اليمين الإسرائيلي خطواتها العملية على الأرض في بناء حي يهودي وسط مدينة الخليل، فقد كان اقتحام رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو، ورئيس دولة الاحتلال رؤوفين ريفلين، الحرم الإبراهيمي في سبتمبر عام 2019 بداية مرحلة جديدة من تهويد المدينة.
وقال نتنياهو يومها بصلف وعجرفة: إنه “لن ينجح أحد في طردنا من هذا المكان، وسنبقى في الخليل إلى الأبد”.. مضيفاً: “كانوا على يقين أنهم اقتلعونا من هذا المكان مرة واحدة وإلى الأبد، لقد ارتكبوا خطأ مريرا”.
وأعلنت سلطات الاحتلال في عام 2010، ضم المسجد الإبراهيمي ضمن قائمة التراث اليهودي، وأنها ستشمل موقع المسجد في الخطة الوطنية لحماية وإعادة تأهيل مواقع التراث، ما أثار احتجاجات من الأمم المتحدة والحكومات العربية.. وصوتت “اليونسكو” لاحقا بأغلبية أعضائها باعتبار المسجد الإبراهيمي جزاء أصيلا من التراث الفلسطيني الإنساني.
وفي عام 2017 أدرجت لجنة التراث العالمي التابعة لمنظمة “اليونسكو”، البلدة القديمة في الخليل على لائحة التراث العالمي، في قرار حظي بدعم 12 دولة، فيما امتنعت 6 دول، وصوتت ضده 3 دول.
واعتبر الفلسطينيون في حينه أن قرار اليونسكو “يدحض بوجه قاطع كافة الادعاءات الإسرائيلية المطالبة بضم الحرم الإبراهيمي إلى الموروث اليهودي، ويؤكد هوية الخليل الفلسطينية”.
وفي 3 مايو الماضي صادّق وزير جيش الاحتلال الإسرائيلي، السابق نفتالي بينيت، على وضع اليد على مناطق ملاصقة للمسجد لإنشاء المصعد الذي أقره مجلس التنظيم الأعلى، أحد أذرع ما تسمى الإدارة المدنية “الإسرائيلية” بالضفة المحتلة.
ومن وسائل طمس المعالم في مدينة الخليل إطلاق أسماء يهودية على بعض أحياء البلدة القديمة كـ”الحارات اليهودية”، بدلاً من حارة جابر الفلسطينية، وتغيير اسم شارع الشهداء إلى شارع ديفيد، بالإضافة إلى إطلاق اسم “معابر” على عشرات الحواجز العسكرية، الأمر الذي واجهه الفلسطينيون بالرفض باعتبار الخطوة محاولة “لفرض الأمر الواقع، وتزوير التاريخ، وإيجاد روابط تاريخية بين اليهود ومدينة الخليل.
وأفاد مدير لجنة إعمار الخليل عماد حمدان، بأن “اليهود كانت لديهم من البنية التحتية والقوة المادية لإقامة دولة، لكنهم يفتقدون إلى ما يربطهم بفلسطين، وهو ما يحاولون إيجاده”.
وأضاف: إن إسرائيل تعمل “بنفس طويل، وبخطوات مدروسة بطيئة، لكنها مترابطة لتكريس الأمر الواقع لتهويد البلدة القديمة للخليل وطرد الفلسطينيين منها”.. مشيراً إلى أن تلك المحاولات تواجه بالرفض والصمود.
فيما تعهد رئيس بلدية الخليل تيسير أبو سنينة بمقاومة تغيير أسماء الأحياء والشوارع في المدينة.. مشيراً إلى أن دراسة التوجه إلى القضاء الإسرائيلي لإفشال ذلك.
ومن ضمن المحاولات الإسرائيلية كان سعي المستوطنين بدعم من جيش الاحتلال الإسرائيلي لإقامة مجلس بلدي لهم في الخليل يتولى إدارة شؤونهم، لكن تلك الخطوة تم تجميدها بقرار من المحكمة العليا الإسرائيلية قبل سنتين.
من جانبه، يرى المتخصص في الشأن الإسرائيلي عادل شديد، أن تغيير أسماء الأحياء في الخليل يأتي ضمن “مخطط طويل لتهويد المدينة، وضرب كل الوجود الفلسطيني العربي فيها”.
وأشار شديد إلى أن الخليل تشكل بالنسبة لليهود ثاني أقدس مدينة بعد القدس، وقبل صفد وطبريا، باعتبارها بلد “الآباء والأجداد”.. مضيفاً إن التيار الديني الاستيطاني لليهود، والعلمانيين، يدعمان الاستيطان في المدينة.
الجدير ذكره أن “الحرم الإبراهيمي الشريف”، الذي ينسب إلى النبي إبراهيم “خليل الرحمن”، يعتبر أقدم بناء مقدس مستخدم حتى اليوم دون انقطاع تقريبا، وهو رابع الأماكن المقدسة عند المسلمين بعد الحرمين المكي والمدني والمسجد الأقصى بالنسبة للمسلمين عامة، والثاني في فلسطين.
ويقال إنه بني فوق مغارةٍ مدفون فيها كل من النبي إبراهيم وزوجته سارة، وولدهما إسحاق وولده يعقوب وزوجتيهما رفقة وليئة.. وتذكر بعض الروايات أن الأنبياء آدم ونوح وسام ويوسف مدفونون هناك أيضاً.
ويقع الحرم في البلدة القديمة لمدينة الخليل جنوب الضفة الغربية في فلسطين، وهو يشبه في بنائه المسجد الأقصى، ويحيط بالمسجد سور عظيم مبني من حجارة ضخمة يصل طول بعضها إلى 7 أمتار، ترجع أساساته لعهد هيرودس الأدومي في فترة حكمه للمدينة، بعدها قام الرومان ببناء كنيسة في مكانه، ثم هدمت بعد أقل من 100 عام على يد الفرس، لتتحول بعدها إلى مسجد في العصور الإسلامية الأولى.
ووقعت مدينة الخليل تحت الاحتلال الإسرائيلي بعد حرب يونيو عام 1967، ومنذ ذلك التاريخ، شرع المستوطنون الصهاينة بالاستيطان في محيط المدينة ثم في داخلها، كما بدأت قوات الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنون اعتداءاتهم على المسجد الإبراهيمي منذ اليوم الأول لاحتلال المدينة بهدف تحويله إلى معبد يهودي.
كما توالت الاعتداءات على المسجد؛ وبحسب باحثين، فإن جميع هذه الاعتداءات كان يقوم بها المستوطنون، بحماية مباشرة من الجيش وشرطة الاحتلال الإسرائيلية.
ولعل أبرز هذه الاعتداءات ما قام به الإرهابي الصهيوني باروخ غولدشتاين، من مذبحة دامية في 25 فبراير 1994، داخل الحرم الإبراهيم راح ضحيتها على الفور نحو 29 شهيداً فلسطينياً، ونحو 150 آخرين من الجرحى، وعقب أحداثها قررت سلطات الاحتلال تقسيم الحرم الإبراهيمي بين المسلمين واليهود.
ومنذ مذبحة الحرم الإبراهيمي حولت إسرائيل البلدة القديمة للخليل إلى ثكنة عسكرية شبه مغلقة بأكثر من 22 حاجزاً عسكرياً، و105 عوائق حركة، كما سببت إجراءاتها بإغلاق القلب التجاري للمدينة الذي يشمل السوق المركزية للخضار وسوق الذهب بعد منع المركبات من دخولها، وتقييد حركة الفلسطينيين بها.